Writings



أمّة إقرأ لا تقرأ
2010
     

تمهيد
قبل أربعة عشر قرناً من اليوم؛ قيل للبشريّة جمعاء، وبنداء ربّانيّ أن "إقرأ"، لقد كان خطاباً إلى كلّ إنسان يحمل كتلة دماغيّة بين كتفيه، وها نحن الآن نسير في الطريق المؤدي إلى إحدى المكتبات العامّة في مدينة رام الله، يحذونا الأمل بإزالة الغبار المتراكم على جنبات الطريق بعد أن باتت مقفرة، وسكن الملل قلب "سارة"- موظّفة تسجيل الكتب- من قلّة روّاد زواياها. في الوقت ذاته؛ لم نستطع وضع أقدامنا في محلات بيع البوظة والحلويّات من عجتّها بالزبائن فها هم يقضون وقتهم ليبدو الأمر للأسف كما لخّصته قناة فضائية عربيّة مشهورة بقولها أنّ "أمّة إقرأ باتت لا تقرأ".

خير جليس في الزّمان
كثيراً ما نشعر بالوحدة وسط جمع من البشر، نشعر بوحشة الى صداقة "حقيقية" نفتقدها ونحن نجالس أصدقائنا! نبحث بعيداً عن رفيق قريب دائم، وينتهي بحثنا للأسف بلا رفيق!. نتسائل عن سبب إخفاقنا، هل إنتهت الصداقة؟ أم هل أخطأنا المكان؟ أو هل تعبنا بسرعة وهناك فرصة أخرى؟ ونخرج هكذا من متاهة البحث إلى متاهة أسئلة تبقى معلقة في فراغ عقولنا تنتظر من يقطفها ويجيب عنها.لم ندرك أننا قد أخطأنا معنى الرفقة والصداقة الحقيقية. صديقك الدائم بجانبك في مكتبك، التقطه و امسح الغبار عنه، تذكر كم مرّ من الوقت و هو جالس هناك ينتظرك وأنت تبحث عن غيره بعيداً!. أبحر في سطوره وصفحاته، تعلم منه الصداقة والعطاء بلا مقابل، يكفي أنك ستكون متأكداً عند إغلاقه أنه سيبقى بجانبك إلى الأبد ومتى احتجت إليه.

إذاً يكفينا التغنّي بجمال شعر المتنبي "وخير جليس في الزمان كتاب"، لقد آن الآوان لنقف على معاني كلماته.

الغرب وأصالة القراءة
قد يكون الغرب اليوم أكثر إدراكاً منّا- وبكل موضوعيّة- مدى قدسيّة النداء بكلمة "إقرأ"، فها هم اليوم يتسابقون في شتى علوم المعرفة والثقافة وطيّاتها بل ويحسنون صحبة خير جليس في الزّمان، فتراهم على إختلاف تخصصاتهم ومشاغلهم وأعمالهم اليوميّة يجالسون الكتاب إحقاقاً لإفرازات التربية الذهنيّة التي أدركوا أن القراءة خير طريقة يزوّدهم بها. ولعلّ إجابة "جينفر" من أمريكا عندما استفسرنا منها إن كانت ممن يحبّون القراءة؟ فاستهجنت السؤال واصفة نفسها بعاشقة الكتاب، في الوقت الذي تقضي فيه ساعتين يوميّاً محاطة بالكتب من كل جانب تقلّب الصفحات وتنتقل بين الأسطر تغازل عشيقها، عندها انتابنا شعور عارم من الخجل، لقد كانت تقابل عشيقها يوميّاً ولمدّة ساعتين، فيا له من وفاء.
"بريجيت" الألمانيّة وزوجها كان لهم ورد أسبوعيّ ينهلون منه لذّة القراءة، فبالقراءة والمداومة عليها كانت خلايا العقل لديهم تنمو دون الإحساس بذلك، بل وفيها يخرجون من عجّة أوقات العمل فتراهم على ذلك يحرصون، في الوقت الذي نحنّ لقدسيّة كلمة "إقرأ" ناكثون فترى أحمد وعمر ورشا وربا يعتبرون أن القراءة فنٌّ لا يتقنون أبجدياته.
ولكي تكون الموضوعية عنواناً لأسطرنا هذه، فإنّ القلّة القليلة منا في أمّة إقرأ ما زالت تحترم القراءة وتعتبرها الطريق الأمثل للتغذية الفكرية لتنمية العقول، فهذه "صبا" تقضي أوقات فراغها تقلّب صفحات أمّهات الكتب العالمية من أدب وفلسفة وسير وتاريخ على رائحة البنّ تتطاير من فنجان قهوتها، و يشير "سامر" إلى أنّه إعتاد قضاء أوقات فراغه في ركنه المحبب من جنبات بيته محاطاً بالكتب والروايات.

أمّة تركت القراءة فقل شأنها
لنقلّب صفحات التاريخ الى الوراء لنقف على سير أمم أصبحت من أعظم الأمم، فاليابان مثلاً؛ لم تشهد هذا التطور والنهضة بعد الحرب العالمية الثانية لأنها امتلكت الأموال بل لأنّ لديها مخزونا فكريّاً وثقافة كافيين لتجعل منها أمّة تقف صامدة وسط عاصفة الدمار والتشتت وفقدان الهوية. ولعلّنا نستذكر هنا ما قالته "سمر" عن ألمها عندما رأت أن إشارة المرور الحمراء هي فرصة ثمينة للسائق الياباني حتى يأخذ كتاباً بجانبه ويقرأ! فأصبحت تكابد ليس فقط آلام الغربة والحنين إلى الوطن بل وآلام معرفتها سبب وهن وضعف أمّتها.
وقفة مع النفس ما نحتاجه لننظر ونتأمل واقع الأمة العربية، لماذا أصبحنا الفريسة السهلة والمطمع الوحيد لباقي الأمم؟ لماذا وُصفنا بالأمة "المتخلفة" ونحن نملك أعظم لغة وتراث؟ اجتهدنا بالبحث عن إجابات وأخفقنا إيجاد الإجابة الصحيحة لأننا لم ندرك الى الآن أننا قد فقدنا هويتنا وثقافتنا وكتابنا وفعلاً أصبحت القراءة بالنسبة لنا فنّاً لا نتقن أبجدياته! لأننا لو أدركنا أهمية الثقافة والعلم لمَا استطاع طالب أن يقاطع أستاذه مستأذناً، فيرّحب الأستاذ بمقاطعته ظنّاً منه أن لديه سؤالاً أو تعقيباً على كلامه، ليتفاجأ الأستاذ أنّه يريد إذناً ليخرج ويدخنّ سيجارة. وباتت أمة إ"قرأ" لا "تقرأ"!.

البرمجة الذهنيّة والإرث الفكريّ
تبدو الحكاية لك وأنت تنتقل بين أسطر هذه المدوّنة أنّها الكلمات العابرة لموضوع لا وزن لأهميّته، ولكنّنا اليوم وبحرارة الدموع التي باتت تنهمر على إرثنا ومخزوننا التربويّ الذي لطالما كان مفخرة الأجيال وكان الصفحة التي خطّ فيها شوقي أشعاره بل وانسابت أحبار المفكرين والمبدعين في شتّى علوم المعرفة عليها، فقط لأنّنا كنّا نحترم قدسيّة القراءة والكتابة، وكنّا نستغل أوقات فراغنا فيما يحرّك العقل البشريّ بما قد يعيد لنا الأمل بأن نكون.

وها نحن اليوم؛ نجدّد الخطاب إلى كلّ أولئك الناطقين بلغة الضاد أن دعونا نؤسس النواة التربويّة والبرمجة الذهنيّة لأبنائنا، بل لنكن القدوة لهم فنخصص لأنفسنا حصّة يوميّة نقلب فيها الصفحات ونداعب الأسطر التي خطّتها الأيدي فنعيد الثقة إلى المدرسة الفكريّة التي كان للأجداد حسن الريادة فيها، فطوبى له من عمل نحن أحقّ بأن نحافظ عليه. ولنربّي أنفسنا في مؤسسة المكتبة فنعيد البسمة على شفاه سارة، نقولها بالعربيّة أن طوبى لإمّة "إقرأ" والتي نتمنى أن تعود لــ"إقرأ".


-------------------------------------------------------

ربيع قادم
2007

هبّت نسائم وردية محمّلة بعبق ذكريات منسية
قادمة من خلف تلك الجبال الابدية
مخلّفة ورائها جروحا دامية أزلية
لتعلن عن قدوم ربيع أخضر اللون .... و ورد يملأ الكون
طيور الحب تملأ المكان ... و وحشة في القلب تجلو الأذهان
تعلو الاصوات لتصل عنان السماء ... وتملأ الدنيا ضياء
وتعود البهجة الى تلك النفوس التائهة
ويعود الأمل الى تلك القلوب الحائرة
وتتجلى أحداث الزمن المرّ من صفحان التاريخ لتعود بيضاء لامعة ، تشع بريقا ينبىء بتحقيق تلك الاحلام الغافية....
وتعود ايام العمر الضاحكة ... فقد تحررت من قيود الحزن الظالمة ...
يأتي هذا الربيع متسللا على رؤوس أصابعه حاملا بين طياته أجمل الكلمات و أرق المعاني .... أروع الألحان و أعذب الأغاني ..
يبشر أن الموعد قد حان وأنه قد آن الأوان ... ليطرب شدو الطيور ايام العمر القادمة ... ويملأ عبير تلك الورود ليالي الحالمين الصامتة ... آن الاوان ليسطع البدر قلب السماء و يملأ الأمل ذلك الفضاء...
ويبدأ الكل بالغناء ....

ربيع قادم..!

No comments:

Post a Comment